ن
مكانة شكسبير فى الاداب العالمية كمكانة نيوتن او اينشتاين فى العلوم.
فهذا الشاعر الذى لم تكن مقدماته و لا نشأته توحيان بمدى المجد الذي سيحظى
به بفضل مواهبه البيانة الفطرية و ألمعيته العقلية الفريدة من نوعها بل و
تنوع و ضخامة انتاجه الادبي الذى لايضاهى فى قيمته الفنية.
لقد كانت نشاة شكسبير متواضعة غاية فى التواضع فقد تزوج بعمر 18 عاما و
هجر دراسته الاولية ليعمل سائسا للخيول امام المسرح يمسك خيول النبلاء حتى
ينصرفوا بعد مشاهدة التمثيل . و عمل لفترة ممثلا تافهاأو كاتبا تافها
لمسرحيات ركيكة .كما كان كان زيرا للنساء بل و سكيرا من طراز عظيم بل و
لعله مات نتيجة للافراط فى تناول الشراب تبعا لبعض الروايات. و مع ذلك فقط
استطاع أن يتوج نفسه أميرا للبيان وسيدا لكتاب المسرح أجمعين .
إن الشائع عن شكسبير أنه كان رجلا ربع متعلم فهو لم يتم من تعليمه حتى فى
مدرسة مدينته الصغيرة بسبب ضيق ذات يد أبيه. و لذلك فقد نشأ شكسبير ناقص
الثقافة , فكيف تأتى له هذا الادب العظيم الدال على فلسفة عميقة و ثقافة
واسعة و احساس عميق نابض بالمشاعر الفياضة و ذكاء خارق.
لقد دفعت هذه النشأة المتواضعة و هذه الالمعية المتألقة اللتين اجتمعتا
لهذا الرجل العديد من النقاد و الباحثين الى انكار حقيقة شكسبير و اعتبروا
كل الكتابات المنسوبة الى هذا الاسم الذى يعني حرفيا – " هاز الرمح" –
إنما هى فى الحقيقة من تأليف اللورد بيكون – تلك العقلية العلمية الفذة
التى كانت تحيا فى نفس العصر و الذى كان يتمتع بقدر من الثقافة يمكنه من
ابداع مثل هذه الاعمال الفذة , و آخرين أرجعوا هذه المؤلفات الى الشاعر
العظيم " مارلو " الذى كان معاصرا له و قتل فى مشاجرة , فيزعمون انه لم
يقتل و انما اخذ يكتب باسم ذلك العربيد شكسبير بينما هو مختبىء عن
الانظار. و لكن جميع هذه التخمينات لا دليل عليها . و أيا كان من هو
شكسبير فنحن أمام اعمال ادبية ابداعية من الرقى و السمو بمكان يبؤها عرش
الاداب العالمية ايا كان من هو شكسبير.
فى دراسته الرائعة " البحث عن شكسبير " يوضح " لويس عوض ":أن جميع
تراجيديات شكسبير – التى اشتهر بها – تجعل المأساة التى تحل بالبطل هى
نتيجة لخطأ جسيم ارتكبه او نتيجة لخطأ جسيم فى تكوينه , انه خطأ مهما كان
جسيما فهو لا يرقى لمرتبة الشر المحض و انما هو من باب الافراط فى الخير
او بسبب نقص فى تكوينهم النفسي يجعل التفاهم بينهم و بين الحياة مستحيلا.
فالملك لير نبعت مأساته من سذاجته و افراطه فى الثقة الطيبة الذى بلغ حد الحماقة فجر الكوارث على نفسه و على قومه.
و عطيل : مأساته من سذاجته و افراطه فى الثقة العمياء التى اسلمته فى
النهاية الى الافراط فى عدم الثقة و الغيرة المدمرة العمياء التى افسدت
عليه حياته.
و هاملت : نبعت مأساته من انطوائيته المسرفة التى جعلته يأكل نفيه اكلا و
يعيش فى جحيم داخلي يجعله دائما يقف على تخوم العالم الخارجي فلا ندري و
لا يدري هو اين تقوم الحدود بين الحقائق و الظلال. ليحيا فى جحيم داخلي
كثيف الابخرة كلم اطل منه على العالم الخارجي ارتد اشد يأسا الى جحيمه
الداخلى.
أنطونيو و كليوباترا: مأساتهما من خضوعهما لشريعة الحب رغم انهما مكبلان باصفاد الحكم و السياسة.
يوليوس قيصر : مأساته من نموه غير الطبيعي الذى جعل حجمه يتجاوز حجم البشر و يرقى الى حجم الهة الاساطير.
ماكبث : هو وحده من ابطال شكسبير هو الذى داخل الشر نفسه رغم سلامة معدنه
و قهر فيه الشر الخير حتى آل الى الاجرام و تسمم عقله و التوى فى سراديب
مظلمة لم ينفذ اليها بصيص من نور.
حتى روميو و جولييت: قهرتهما التقاليد و ضحت بحبهما على مذبح الاعراف .
إنها دعوة يا اصدقائي لاقتحام وولوج عالم شكسبير الملىء بسحر البيان و نغم الخيال و الاساطير و الجد و الهزل و المآسي و البهجة.